:

يفتون كما يشربون الماء

top-news
شركة شحن

 

 

  بقلم /د. مصطفى محمد مصطفى

 

 

شاب في مقتبل العمر، لم يكتمل شاربه وتنافرت شعيرات لحيته، وقف امام المصلين بعد صلاة الجمعة وقد بدأ عليه ارتباك المتدربين وارتجاف المبتدئين   سرد لنا الديباجة المعروفة، ثم قال اما بعد : واخذ يفتي بهذا حرام  وهذا لايجوز، تناول امور السياسة وشئون الحاكم والمحكومين واطلق العنان للسانه تحريما وتجريما دون ان يعلم بواطن الامور بل ادركت من اول حديثه انه لا يعلم من ساس يسوس شيئا ولكنه حفظ نصوصا لا تنطبق على واقع السودان والمصلين من حوله، ابتدر حديثه بتحريم ما نعرف حرمته من الشركيات ودعاء اصحاب القبور وانطلق من هذه القاعدة الى تحريم الخروج على الحاكم اطلاقا، حرم خروج النساء والرجال، حرم الحديث عن الغلاء، حرم كل شئ كما يشاء ولم يحلل شيئا، اقنع المصلين البسطاء بتجريد ثيابهم وتعرية ظهورهم ليضربهم الحاكم بالسياط، وهيأهم لان يحكمهم عبدا حبشي ثم خرج بعد ان صافحه الجهلاء وقدموا له الدعوة لتناول وجبه الغداء.  لست من علماء الدين ولا ادعي معرفتي بجوانبه ولكني اعرف ان جل ائمة المساجد الذين صليت معهم ليسو ممن تنطبق عليهم صفات المفتين ومع ذلك يفتون في كبائر الامور وصغائرها، بل رأيت منهم من يفتيك من وراء ظهره وكانه يتنزل الوحي عليه تنزيلا، هم يفتون كما يشربون الماء ولايخشون الله، اقعدوا بفتاويهم الناس، واضاعوا الاعراف وقتلوا الهمم، هم يفتون ولايتورعون، كل من صعد منبرا وحفظ حديثا افتى وهو لايكاد يميز بين احاديث الآحاد والاحاديث المسندة الصحيحة ولايرجعون ايّ ُ منها للقران وتفسيره، هم يفتون في القضايا الخلافية التي سكت عنها أئمة الانصار والمهاجرين ومتشابهات الامور ويكبون وجوههم في النار وكأنهم لايعلمون  شروط المفتي، بل كانهم لا يعرفون ان الامام مالك كان اغلب ما عُرف عن فتواه هو قوله (لا اعلم)، ولم يقرأوا للمحدث عبد الرحمن بن أبي ليلى حين قال: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول"، وعبدالله ابن مسعود رضي الله عنه حين قال: "من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون"، ولم يسمعوا أبو حصين الأسدي وهو يقول: "إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه  لجمع لها أهل بدر"، وهم قطعا لا يعلمون ان مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري"
والحديث حول هذا يطول ولكني اختم بقول مالك :من  أجاب في مسألة، فينبغي من قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصة في الآخرة، ثم يجيب فيها".
فيا ائمة مساجدنا الذين حفظوا القشور والديباجات المرسلة تريثوا ولاتفتوا وانتم لاتنطبق عليكم شروط المفتيين الاربع، فقد دمرتم البلاد بفتاويكم واقعدتم الناس بجهلكم واهلكتم انفسكم وموعدنا معكم يوم تُكب وجوهكم في نار جهنم.

شركة جريس لاند لخدمات الشحن المختلفة

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *